دراسات
إسلامية
الطريق إلى الإعلام الإسلامي
بقلم : د. عبد القادر طاش رحمه اللّه
إنَّ تحقيق ثمرة هذا التصور النظري للإعلام الإسلامي بشموله وتكامله، لن يكون إلاَّ بمحاولة الإجابة على هذا التساؤل الملحّ: كيف نصلُ إلى الإعلام الإسلامي؟
وفي
تصوّري أنَّ الوصول إلى الإعلام الإسلامي يحتاج منّا العملَ الدؤوب في أربعة
ميادين رئيسة هي:
1 –
ميدان الإعداد والتأهيل البشري:
إنَّ
أهمَّ الوسائل للوصول إلى تحقيق الإعلام الإسلامي في واقع الحياة وأنجعها هو
إعدادُ الكفايات البشرية المتخصّصة في الإعلام، وتأهيلُها فكريًّا، وخُلُقيًّا،
وعمليًّا، ومهْنِيًّا. إنَّ الإنسان هو العنصر الأول في إحداث أيّ تغيير مقصود. والعناية
بإعداد الإعلاميّين الإسلاميّين، وتأهيلهم حتى يكونوا قادرين على تحمّل هذه
المسؤولية الضخمة، ليس أمرًا سهلاً قليل التكاليف، بل هو عملٌ كبير، يتطلّب منّا
جهودًا عظيمةً وطاقات عديدةً. إنّ الطبيب –
وهو يطبّب الأبدان –
يمرّ بفترةٍ صعبة ومكثّفة وطويلة من الإعداد والتأهيل، فما بالُك بالإعلامي، وهو
المعلّم، والمربّي، والقائد، والموجّه، وصانع الرأي في المجتمع؟! إنَّ مهمّته – ولا شكّ –
أعظمُ، ومسؤوليتَه أكبر، فهو يطبّب النفوس، ويؤثر في العقول، ويسهم في صياغة مواقف
الناس وسلوكهم؛ ومن ثمَّ وَجَبَ أن يكون تأهيلُه موازياً لهذه المسؤولية المنوطة
به ولا بدّ لإعداد الإعلامي الإسلامي وتأهيله من أن يتكامل المنهج العلمي والعملي
في الجوانب التالية:
ا
–
الإعداد الأصولي والفكري، حيث يتعرّف الطالب على الأصول العَقَدية والفكرية
والتشريعية للإسلام من خلال مجموعة مختارة من المقررات الشرعيّة والفكريّة في
القرآن الكريم، والتوحيد، والتفسير، والحديث، والفقه، والثقافة الإسلامية.
ب
–
الإعداد اللغويّ والتذوقي، فاللغةُ وسيلة الإعلامي؛ بل هي وعاء الفكر والثقافة،
ولذلك لا بدّ له من أن يدرس بعض المقررات في اللغة العربية نحوًا وصرفاً وفقهًا،
وأن يسعى إلى التمكّن في فنون القول، والبيان، والأسلوب، والتعبير، والتذوق
الأدبي.
ج
–
الإعداد التخصّصيّ والمِهْني، وهذا الإعداد لابدّ أن يتكامل فيه الجانبُ النظري
والجانب العملي التطبيقي حتى لا تصبح دراسة الإعلام دراسةً نظريةً بحتةً. ولا بدّ
من اكتساب الطالب للمهارات العملية والمهنية المطلوبة منه في واقع الممارسة
الميدانية.
د
–
الإعداد الثقافي العام، وهذا يتطلب الإلمام بالواقع الذي يعيش فيه، من حيث قضاياه
ومشكلاته، وأحداثه، وتياراته، كما يتطلب الإلمام ببعض المعارف والعلوم المُعِيْنَة
له على فهم هذا الواقع وتحليله، وهي علوم وثيقة الصلة بالإعلام كعلم النفس
والاجتماع، والعلوم السياسية والاقتصادية، واللغة الأجنبية.
ولا
بد من التأكيد هنا على أنَّ من مستلزمات هذا الإعداد الصارم للإعلاميين
الإسلاميين، أن يخضع الطلاب الذين يُقْبَلُون في أقسام الإعلام لشروطٍ موزونة سواء
في المجال العلمي أو الأخلاقي. ولا بدّ أن يتوافر فيهم الحدّ الأدنى من الموهبة،
والاستعداد النفسي. كذلك لابدّ من التأكيد على أن يتوافر لهؤلاء الطلاب في المحيط
الأكاديمي جوّ من العلاقة الحميمة بينهم وبين أساتذتهم، المبنيّة على الثقة
والاحترام والتهذيب التربوي والتوجيه الأخلاقي عبر القدوة الصالحة التي يجدها
الطلاب في أساتذتهم وموجهيهم. ويُعَدُّ الجانبُ التربوي والأخلاقي ذا أهمية بالغة
في مجال إعداد الإعلامي الإسلامي نظرًا للصعوبات الجمّة والتحديّات العديدة
والمغريات المتنوعة التي تصادف الإعلامي الإسلامي في حياته العملية.
2 –
ميدان التأصيل والتنظير العلمي:
ما
يزال الاهتمام بتأصيل قواعد الإعلام وأصوله وممارساته من وجهة النظر الإسلامية،
محدودًا ومتناثرًا. والمطلوب أن يتصاعد الاهتمام العلمي بالإعلام الإسلامي تأصيلاً
وتنظيرًا، وأن يركَّز على النوعيّة. وينطلقُ هذا الاهتمام من خلال إنشاءِ ودعم
معاهد ومراكز البحوث الإعلامية، التي تهتمّ بالإعلام الإسلامي، واستقطابِ الباحثين
والدارسين الذين يتميّزون بالإخلاص والوعي الإسلامي، والخلفيّة الشرعية،
والاستيعاب العلمي للتخصّص الإعلامي، إلى جانب تمتّعهم بالمنهجيّة في التفكير،
والتمكنّ من أساليب البحث العلمي ووسائله.
ولعلَّ
من الأهميّة بمكانٍ أن تسير هذه الجهود العلمية التأصيلية وفق خطة مدروسة وتصوّر
سليم للأولويات، وأن تعتمد على أسلوب فِرَق العمل الجماعية بدلاً من الأعمال
والاجتهادات الفرديّة المحدودة. ولا بد من أن تتوافر لهذا العمل التأصيلي العلمي
إمكاناتٌ بشريةٌ ومادية ملائمة، كما لابدّ من توافر قنواتٍ علميّة تُسهم في تحريكه
وبلورته وانضباطه كالندوات العلميّة، والحَلقات الدراسية، والمشاريع البحثية،
والمؤتمرات واللقاءات، التي تتلاقح فيها الأفكار، ويتبادل فيها الباحثون والدارسون
الآراء، ويتناقشون فيها حول نتائج بحوثهم ومؤلفاتهم.
3 –
ميدان الإصلاح الواقعي:
والمقصود
بهذا: الإسهام الإيجابي في إصلاح أوضاع المؤسسات الإعلامية القائمة في العالم
الإسلامي، الرسمية منها وغير الرسمية، وتنقيتُها من الشوائب وترشيدُ مسارها
الإعلامي، سواء ببذل النصح والمشورة، أو دعم الأعمال التي تخدم الإعلام الإسلامي،
أو المشاركة العملية في تلك المؤسسات والهيئات في ميادينها القيادية والإنتاجية
والتقويمية.
ويبدأ
الإصلاح الواقعي بمحاولة إيجاد قنوات تواصلٍ وتعاونٍ بين المهتمّين بشؤون الدعوة
والإرشاد والإعلام الإسلامي من جهة، وبين العاملين في المجال الإعلامي من جهةٍ
أخرى؛ وذلك من أجل تضييق الفجوة بينهم. ولقد عانت الأمة من جرّاء انعزال العلماء
وذوي الاتجاهات الإسلامية عن الوسائل الإعلامية، وعدم توثيق صلاتهم وعلاقاتهم بالعاملين
في هذه الوسائل. وإنَّ السعيَ من أجل تنظيف الإعلام من الانحرافات والتشوّهات هدفٌ
نبيل ويحتاج إلى تحمّل وصبر وإدراك واقعي للظروف التي يعيش فيها الإعلام. وإنَّ
انتهاجَ أسلوب التدرّج في الإصلاح ضرورةٌ لازمة في ضوء معرفتنا أنَّ كثيرًا من
المفاسد والانحرافات التي تحيط بوسائل الإعلام قد استغرق نشرُها وتكريسها زمناً
ممتداً، وإصلاحها أو تخليصُ الإعلام منها يحتاج إلى زمن ممتدّ أيضاً، وما أسهل
الهدم وما أصعب البناء!!
ولا
أعتقد أنَّ من الإيجابية في شيءٍ أن ننساق وراء الدعوة إلى عدم الاستجابة لضغط
الواقع في المطالبة بإنتاج البدائل الإسلامية، والغياب عن الساحة الإعلامية، بدعوى
انتظار نضوج الرؤية النظرية للإعلام الإسلامي، أو بدعوى أنَّ الانتاجَ الإعلامي
الإسلامي والمشاركةَ المحدودة في وسال الإعلام القائمة لن تجد نفعاً في خضم التيار
الجارف، وأنها ستكون صرخةً هائمةً في وادٍ سحيق. إنَّ هذا الاتجاه السلبي – في نظري –
لن يحقّق ما يصبوا إليه المخلصون للإعلام الإسلامي. والجهودُ الصغيرة المتواضعة
عندما تجتمع وتتراكم وتتواصل، لا شك أنها ستثمر بإذن الله تعالى ثمرات يانعةً تفيد
الناس وتبقى في المجتمع: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ *
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ (إبراهيم: 24-26).
4 –
ميدان الإنتاج العملي المتميّز:
إنَّ صناعةَ البدائل الإسلامية في مجال
الإعلام بمختلف فنونه وضروبه وألوانه، تحتاج إلى المبادرة إلى إنشاء مؤسسات وشركات
إسلامية للإنتاج والتوزيع الإعلامي في مختلف المجالات، من طباعة، وصحافة، ونشر،
وتلفاز، وفيديو، وتسجيلات صوتية، وشرائح مصورة، وأفلام سينمائية وغيرها. وإنشاء
مثل هذه المؤسسات يتطلّب طاقاتٍ بشريةً عديدةً، ويتطلب تكاليفَ ماديةً وماليةً
باهظةً؛ ولكنَّ الاستثمارَ في هذا النوع من الإنتاج سيحقق مكاسب معنويةً وماديةً
لا نظيرَ لها.
ولكنْ
ينبغي التنبيهُ إلى أهمية أن يتولّى مثل هذا الإنتاج العملي الإسلامي المميّز
طاقاتٌ ذات إخلاص وتقوى، وأن يستعان فيه بأهل الخبرة والمعرفة وأن تكون الأعمال
المنتجة، متقنَةً من حيث جوانبها الفكرية والفنية، حتى لاتشوّه الإنتاج الإسلامي
البديل وتعطي صورةً سيئةً عنه؛ ولذلك لا ينبغي الاستعجال في هذا الجانب إلاّ بعد
استكمال العدّة: تصورًا ومضموناً، وتوافر العناصر البشرية: إخلاصاً وتمثّلاً،
وإتقانِ العمل فنّياً وحِرفيّاً.
إنَّ
صياغةَ الإعلام –
نظريّاً وتطبيقيًّا –
صياغةً إسلاميةً، ليست مشروعاً سهلاً سريعَ التنفيذ؛ بل هو مشروع عملاق يمثّل
صورةً من صورة التحدي الحضاري الشامل الذي تواجهه الأمة الإسلامية في حاضرها
ومستقبلها. وإنَّ توافر الجو السياسي والاجتماعي الملائم، والدعمَ المعنوي والمادي
المناسب لتنفيذ مثل هذا المشروع العملاق، يُعَدُّ ركيزةً أساسيةً للانطلاق نحو
تحقيقه في واقع الأمة الإسلامية.. فالنشاطُ الإعلاميُّ مرتبطٌ دائماً بالبيئة
السياسية والاجتماعية التي يعيش فيها، ويتأثر بها، سلباً وإيجاباً.
ولكنْ لا ينبغي أن يصيبنا اليأس أو الإحباط
بسبب ضخامة التكاليف المعنوية والمادية؛ بل ينبغي أن يكون ذلك دافعاً قويًّا لنا
لنروّيَ الأمل المتفتح في قلوبنا وواقعنا بماءِ الإخلاص، والعزيمة الصادقة،
والتخطيط المدروس، والعمل الجادّ، والسعي الدؤوب المتواصل حتى يُثمر الأمل ويتحقّق
الحلم. وقد يكون من المناسب أن نلقي نظرةً على واقع الإعلام العالمي والإعلام
العربي المعاصر، والمأمول الذي نتطلّع إليه حتى يؤدي الإعلام العربي الإسلامي دوره
ويبلغ رسالته إلى الإنسانية.
الإعلام العربي
المعاصر بين الواقع والأمل
لقد
أصبح من مكرور القول أن نقرر بأن عصرنا الحاضر هو عصرُ الإعلام. وليس في هذا الوصف
أدنى مبالغة، فقد تعددت وسائل الاتصال والإعلام، وتنوعت أساليبه، وتشعبت مجالات
تأثيره، واستولت هذه الوسائل على أوقات الناس، واستقطبت اهتماماتهم، وغدت ظاهرة
عالمية لاتقتصر معالمها على مجتمع دون آخر، ولا يصد آثارها الحواجز التقليدية،
التي تعارف عليها الناس من حدود جغرافية أو اختلافات لغوية أو تباين ثقافي أو
سياسي أو اقتصادي.
ولابد
لنا ونحن بصدد الحديث عن الإعلام العربي المعاصر وتشخيص مشكلاته وقضاياه أن نمهد
لذلك بإلقاء الضوء على واقع الإعلام في عالم اليوم من حيث حجمه وسماته والقوى التي
تهيمن على يحركته وتوجّه مسيرته.
واقع الإعلام الدولي
المعاصر
إن أبرز ما يميّز واقعَ الإعلام في عالم
اليوم أنه يتسم بما يسميه علماء الاتصال والباحثون الإعلاميون بـ«الاختلال
الإعلامي» بين دول العالم وشعوبه. ويتمثل هذا الاختلال في عدد من المظاهر البارزة
من أهمها:
1
–
احتكار الغرب لصناعة تقنية المعلومات، والاتصال والإعلام، وهي ما تسمى بأوعية
الاتصال وأدواته.
2
–
سيطرة وكالات الأنباء الخمس الكبرى على الساحة الإعلامية من حيث استقاء الأنباء
وتوزيعها على النطاق الدولي، حيث يحصل العالم على أكثر من 80٪ من أخباره من
لندن، وباريس، ونيويورك، وموسكو. وهذه الوكالات هي: رويتر البريطانية، ووكالة
الصحافة الفرنسية، ووكالتا الأسيوشيتدبرس واليونايتدبرس انترناشونال الأمريكيتان،
ووكالة تاس السوفيتية. ويتمثل الاختلال هنا في الأخبار المتبادلة بين العالم
الصناعي، والعالم النامي؛ إذ تخصص هذه الوكالات الخمس مابين 10٪ - 30٪
فقط من أبخارها للعالم النامي كله!!
3
–
تميز التبادل الإخباري –
أو التدفق –
بين الدول الصناعية والدول النامية باختلال نوعي –
إضافة إلى الاختلال الكمي –
إذ أن نوعية الأخبار التي تبثها الوكالات الخمس الكبرى عن العالم الثالث تركز على
الجوانب السلبية، كالكوارث، والاضطرابات، والقلاقل ونحوها، تبعاً للمفهوم الغربي
للخبر.
وهو
ما عبر عنه أحدهم بقوله: «إذ عض كلب رجلاً فليس ذلك بخبر؛ ولكن إذا عض رجل كلباً
فذلك هو الخبر».
4
–
هيمنة المادة الإعلامية الغربية، والمضمون البرامجي المنتج في بيئات غربية على
النطاق الدولي. وتتضح هذه الهيمنة في المجال التليفزيوني من خلال سيطرة أربع شركات
غربية رئيسة، هي: وكالة الأخبار المصورة البريطانية، واليونايتدبرس، والنيوز فيلم
الأمريكيتان، والوكالة الألمانية –
على مجال الأخبار التليفزيونية المصورة. كما تتضح من خلال حجم الأفلام والبرامج
والمسلسلات والمواد الإعلامية التي تبيعها الدول الغربية –
والولايات المتحدة بشكل خاص –
لدول العالم .. فشركة (سي بي اس CBS) الأمريكية مثلاً، توزع برامجها وأفلامها في 100 دولة في العالم.
بينما تصل شركة (أى بي سي ABC) إلى 60٪ من تليفزيونات العالم. وقد حَدَت هذه الظاهرة
الباحثَ البريطاني (جيرمي تنستال J. Tunstall) إلى تأليف كتاب
هام أسماه (أمركة الإعلام) يحلل فيه ظاهرة «أمركة العالم تليفزيونيًّا» ، كما ألف
الباحث الأمريكي (هربرت شيلر H. Schiller) كتابه الشهير
والمثير (الاتصال الجماهيري والامبراطورية الأمريكية).
5
–
توظيف العديد من القوى الدولية لوسائل الإعلام لخدمة أغراضها وأهدافها
الأيديولوجية والسياسية والثقافية. ففي مجال الإذاعة المسموعة فإن الدول الصناعية
الكبرى تتحكم في 90٪ من الموجات الإذاعية في العالم. وتقوم وكالة الاستعلامات
الأمريكية بنشاط إعلامي واسع النطاق على المستوى الدولي من خلال إنشاء المراكز
الإعلامية (187 مركزًا في 111 دولة) وإنتاج الأفلام السينمائية وتوزيعها (200 فيلم
سنوياً)، وتوزيع أفلام الفيديو (200 فيلم سنوياً)، ونشر المكتبات التابعة لها، وبث
مابين 6 و 10 آلاف كلمة إخبارية إلى العديد من صحف العالم ومجلاته. هذا بالإضافة
إلى استخدام إذاعة (صوت أمريكا) الموجهة التي تذيع أكثر من ألف ساعة في الأسبوع
بـ42 لغة في العالم، وتهدف إلى بث الأخبار التي تعبر عن الوجهة الأمريكية، وتوضيح
السياسة الأمريكية، والترويج لنمط الحياة الأمريكية ورموزها وتقاليدها.
بالمقابل
يوظف الاتحاد السوفيتي وسائل الإعلام لخدمة أهدافه الأيديولوجية والسياسية من خلال
العديد من النشاطات. وكان (لينين) من أوائل من أدركوا خطورة الراديو وقدرته على
تجاوز الحدود وبث الأفكار، وكان يسميه «صحيفة بلاورق ولاتعرف شيئاً اسمه الحدود»
ويذيع (راديوموسكو) –
الذي يحتل المرتبة الأولى بين الإذاعات الموجهة في العالم في عدد ساعات البث – حوالي 2200 ساعة في الأسبوع بـ81 لغة
ولهجة في العالم.
6 –
استغلال وسائل الإعلام من قبل العديد من أصحاب الأديان والعقائد الفاسدة والاتجاهات
الفكرية، وتسخيرها لخدمة أغراضهم. فمؤسسات التنصير وجمعياته، تمتلك العديد من
المحطات الإذاعية والتليفزيونية والصحف والمجلات، ومراكز الإنتاج والتوزيع
الإعلامي. وتبث (إذاعة الفاتيكان) – التي أهداها
(ماركوني) للبابا سنة 1931م – برامجها عبر ست
موجات قصيرة، وتصل إلى كثير من أنحاء العالم بـ30 لغة. وتفيد الإحصاءات أن هناك
أكثر من 40 محطة نصرانية في العالم تبث أكثر من ألف ساعة أسبوعيًّا لنشر أفكار
النصرانية ومبادئها، وتسخر الصهيونية العديد من الوسائل الإعلامية للترويج
لمبادئها وأفكارها، إذ تمتلك أكثر من 954 صحيفة ومجلة، تصدر في 77 دولة، ومنها 244
في الولايات المتحدة، و 348 في أوروبا، و 118 في أمريكا اللاتينية، و42 في
أفريقيا، و 30 في كندا، وخمس صحف في تركيا، وثلاث صحف في الهند، بالإضافة إلى
مجموعة كبيرة من دور النشر والتوزيع، ومحطات الإذاعة والتليفزيون والمؤسسات
المسرحية وشركات الإنتاج السينمائي. هذا فضلاً عن سيطرة اليهود على العديد من
المحطات والشركات والصحف والمجلات في العديد من دول العالم.
أما
(إذاعة صوت إسرائيل) فتضم خمس محطات، وتذيع على خمس عشرة موجة عبر ست عشرة لغة
عالمية محلية، وتقدر مدد البث بـ276 ساعة في الأسبوع.
مظاهر التبعية
الإعلامية في العالم العربي
لاشك
أن هذا الواقع الإعلامي على المستوى الدولي بما يمثله من هيمنة وسيطرة غربية
محكمة، قد ترك آثارًا سيئةً على وسائل الإعلام ونظمه في العديد من دول العالم
النامي. وكانت دول العالم العربي والإسلامي ضمن هذه الدول التي تأثرت بهذا الواقع
الإعلامي، واكتوت بناره وعانت –
وما تزال تعاني –
من سلبياته ومشكلاته.
ولن
نجانب الصواب حين نقول: بأن واقع الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي يشكو من مرض
بالغ الخطورة، يتمثل فيما يمكن أن نسميه بـ«التقليد والتبعية» مع استدراكنا بأن
هذه الظاهرة المَرَضِيّة تبدو بدرجات متفاوتة في دول العالم العربي والإسلامي،
التي ما تزال تبحث عن ذاتيتها وشخصيتها المستقلة، وترنو إلى الوصول إلى تميز
حضاري، يتوافق مع ما تؤمن به من رسالة خالدة، وما تضطلع به من مسؤولية عظيمة، لاتقتصر
حدودها على مجتمعاتها المحلية فحسب؛ بل تمتد إلى آفاق العالم الرحبة، وقيادة
الإنسانية إلى النور والخير، ومصداقاً لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله﴾ (آل عمران:110).
ويمكن
إيجاز الأغراض التي تدل على الظاهرة المَرَضية التي أسميناها بـ«التقليد والتبعية»
في واقع الإعلام في العالم العربي فيما يلي:
1
–
الاعتماد على التقنية الأجنبية، والخبرة الأجنبية، في بناء وتسيير البُنى الأساسية
للإعلام، في العديد من الدول العربية والإسلامية.
2
–
استعارة المفاهيم والنظم والنظريات الإعلامية الغربية التي أصبحت تمارس في واقع
العمل الإعلامي، وتدَرَّس في المعاهد والجامعات في العالم العربي والإسلامي.
3
–
استيراد المواد والبرامج الإعلامية من الدول الغربية. وهي لاتنبع من قيم ومبادئ
وتقاليد المجتمعات الإسلامية، ولاتلبى حاجاتها ولاتعالج مشكلاتها وقضاياها، فضلاً
عن أنها تروج لأفكار الغرب وحضارته وتقاليده وقيمه.
4
–
تسييس الإعلام وتسخيره لخدمة الأغراض السياسية والحزبيّة في كثير من دول العالم
العربي والإسلامي، مما أفقده القدرة على الحركة والحرية والإبداع. وخلا الميدان – بذلك –
من المخلصين والمبدعين، وأصبح مليئاً بالمقلدين والمهرجين والمرتزقة!!
5
–
تضخيم الوظيفة الترفيهية لوسائل الإعلام، حتى طغت هذه الوظيفة على الوظائف الأخرى،
مع اشتداد حاجة المجتمعات العربية –
وهي تخوض معركة التنمية والبناء والتغيير –
إلى توظيف وسائل الإعلام لخدمة أغراض هذه المعركة الحضارية والاجتماعية الحاسمة،
ولاشك أن وسائل الإعلام –
متى ما أحسن توجيهها –
ستسهم بنصيب وافر ومؤثر في هذه المعركة.
6
–
ضعف الاهتمام بالجوانب الفكرية والعلمية للإعلام، مما كان له أثر في عدم توفير
المناخ الملائم لتطوير الفكر الإعلامي العربي المسلم، الذي يتميز عن غيره ويختلف
عما سواه في أصوله ومنطلقاته وأهدافه وغاياته، وطرق ممارسته، بما يتفق مع
تَوَجّهات المجتمع وحاجاته، وبما ينسجم مع السياق الفكري والاجتماعي والاقتصادي
والسياسي للمجتمعات العربية في مرحلتها التاريخية التي تعيش فيها.
التحرر من التبعية
ضرورة ومطلب
إن تحرّرَ الإعلام العربي وتخليصَه من
التقليد، ضرورة لازمة، ومطلب حضاري لاغنى عنه. وليس هذا التحرر ببدع على إعلامنا
العربي، فهو مطلب مشروع للدول النامية بشكل عام. وقد أقرت هذا المطلب اللجنة
الدولية لدراسة مشكلات الإعلام المنبثقة عن هيئة اليونسكو في وثيقتها رقم (32) حيث
تقول: «إن تحرير وسائل الإعلام الوطنية، لهو جزء لايتجزء من الكفاح الشامل من أجل
الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تخوضه الغالبية العظمى من شعوب
العالم، التي لاينبغي أن تُحرَم من حقها في بث الإعلام، وتلقيه بطرق موضوعية
سليمة. ويتساوى الاستقلال إزاء مصادر المعلومات، في أهميته، مع الاستقلال التقني؛
لأنّ التبعية في مجال الإعلام تؤدي بدورها إلى تعطيل النمو السياسي والاقتصادي».
وبالإضافة
إلى كون هذا التحرّر للإعلام العربي من التبعية مطلباً مشروعاً في ضوء مقررات
ومبادئ الهيئات الدولية، فإنه –
قبل ذلك وبعده –
ضورة لازمة؛ لأن لأمة التي يعبر عنها الإعلام العربي ويخدمها هي أمة متميز، لها
وضعها الخاص، ولها رسالتها الفريدة، فقد اختيرت لتكون أمةً تحمل أمانة الإسلام،
فتلتزم به عقيدةً وشريعةً، وتبلغ عنه دعوةً وتبشيراً. ومن طبيعة الرسالة الإسلامية
أنها رسالة عالمية لكل البشر، وما أشد حاجة الإنسانية اليوم إلى الإسلام، لتؤوي
إليه، وتثوب إلى كنفه فيعطيها الأمن والسعادة ويحقق لها ما تصبو إليه من آمال، وما
تتطلع إليه من طموحات.
إن
تحرر الإعلام العربي من التبعية ليس حاجةً وطنيةً وقوميةً فحسب؛ بل هو – بالإضافة إلى ذلك – حاجة إنسانية دولية. وهاهو العالم
اليوم يصارع من أجل إيجاد نظام إعلامي عالمي جديد، يكسر احتكار القوى المتسلطة،
ويوفر الفرصة لتحقيق توازن إعلامي رشيد. فهو –
إذن –
يدرك تهافت النظام الإعلامي الحالي، ويعترف بقصوره، ويسعى إلى إسقاطه، ويبحث عن
بديل له. وفي تصوري، أننا –
نحن العرب والمسلمين –
نملك القدرة على الإسهام الإيجابي الفعال في إيجاد ذلك البديل، الذي تبحث عنه
الإنسانية في عالم اليوم. ولا نقول هذا الكلام من قبيل المبالغة والغرور الذاتي؛
بل هي الحقيقة التي يقررها الواقع. فقد جرب العالم كثيرًا من الحلول، وطرق كثيراً
من المنافذ، بحثاً عن الخلاص؛ ولكنه عاد خائباً محمّلاً بمزيد من المشكلات
والمتاعب.
وفي
يقيننا أن الإسلام –
بمنهجه الرباني الثابت، وقدرته على التجدد والمرونة في آن واحد – قادر على أن يقدم البديل الأصلح لعلاج
المشكلات الدولية في مجال الاتصال والإعلام.
الإعلام العربي
والأمل المنشود
إن تحرر الإعلام العربي من التبعية والتقليد،
هو الأمل المنشود الذي يتطلع إليه كل مخلص غيور. ولن يتحقق هذا التحرر إلا عندما
تتوسع دائرة الاعتماد على الذات في جميع ميادين الإعلام: صناعةً، وفكراً، ونظاماً،
وممارسةً. ولابد – بادئ ذي بدء –
من الإيمان العميق بأن نقطة الانطلاق في حركة تحرير الإعلام العربي من التبعية،
تكمن في الإقرار العملي بأن النشاط الإعلامي –
بمختلف صوره وأشكاله وأنماطه – إنما ينبع من
التصورات العقدية والأيديولوجية للمجتمع الذي يعمل فيه، وينطبع بالقيم والتقاليد،
ويتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لذلك المتجمع: ولذلك فإنه من
الضرورة أن نعمل على صياغة نظام إعلامي عربي إسلامي مميز في روحه وجوهره،
ومنطلقاته، وأهدافه، ونظمه، وقوانينه، وطرقه وأساليبه.
ولاشك
أن الإسلام –
بفكره وقيمه ومبادئه وحضارته –
هو الأصل الذي ينبغي أن يصدر عنه ذلك النظام الإعلامي المنشود، وهو الأساس الذي
ينبغي أن يستند إليه في صياغته للنشاط الإعلامي، وتحديد أبعاده ووظائفه ومسؤولياته
في المجتمع العربي. كما أن هذا النظام المنشود لابد من أن يتفاعل مع الواقع الذي
تعيشه المجتمعات العربية، وتتبلور أسسه وتنظيماته وممارساته بما يخدم مصالح هذه
المجتمعات وحاجاتها، وبما لايتعارض مع قيمها الأصيلة، وعاداتها وتقاليدها الصالحة،
التي تعطيها التميز والاختلاف عن غيرها من المجتمعات التي تؤمن بالفلسفات والأفكار
المادية الوضعية.
إن
تحرير الإعلام العربي من رَبْقَة التبعية والتقليد، والارتقاءَ به إلى مستوى
الإبداع والاستقلال والذاتية، عمل شاق وكبير؛ ولذلك لابد من أن تسهم في تحقيقه
مختلف الفئات والجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالنشاط الإعلامي، سواء على المستوى
السياسي، أو المستوى العلمي الأكاديمي، أو المستوى العملي المهني، أو المستوى
الاجتماعي والاقتصادي. وحسبنا في هذه العجالة أن نشير إلى بعض النقاط الهامة التي
نعتقد أن عملية التحرير تنطلق فيها عبر المستويات المختلفة:
(أ)
فعلى المستوى السياسي، لابد من أن تؤمن الحكومات والأنظمة السياسية العربية بأهمية
أن يكون نظام إعلامي عربي له شخصيته الذاتية، وأن يرتكز هذا النظام على مبادئ
الإسلام وقيمه، ويلبي الاحتياجات الحقيقية للمجتمع، ويقوم على أكتاف مواطني ذلك
المجتمع. ولابد من أن ترسم لهذا النظام استراتيجية عامة واضحة المعالم، وسياسات
عملية تقوم على أسس علمية واقعية، وأن يتمتع النظام بشيء من الحرية والمرونة التي
تحقق المصلحة العامة، وألاّ يُكبّل النظام بالبيروقراطية والروتين.
(ب) وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لابد
من العمل على تغيير النظرة التقليدية الدونية للنشاط الإعلامي التي تسود المجتمعات
العربية. ولابد من إقناع القطاع الحكومي والقطاع الأهلي بأهمية الاستثمار
الاقتصادي في ميدان الإعلام، إذ أن النشاط الإعلامي اليوم – في كافة صوره ومستوياته –
نشاط مُكْلِف اقتصاديًّا، مما يتطلب معه أن يثنْفَق عليه بسخاء، وأن يحظى بالعناية
القصوى والاهتمام الكافي.
(ج) وعلى المستوى الأكاديمي، لابد من العناية
بافتتاح وتدعيم كليات وأقسام، ومعاهد التدريس الأكاديمي للإعلام في كل قطر عربي،
ولابد من أن تتوافر لهذه الكليات والأقسام والمعاهد الإمكانات البشرية والمادية
الملائمة، التي تجعلها تستطيع القيام بمهمتها في إعداد وتهيئة الكفايات (الكوادر)
الإعلامية المتخصصة، التي تسهمُ في دفع عجلة النمو الإعلامي، وتعملُ على تحقيق
سياسة الاعتماد على الذات. كما أن هذا الاهتمام بالكليات والأقسام والمعاهد
الإعلامية الوطنية، سيقلل من كثرة الابتعاث إلى الخارج والذي يُعَدّ – بصورته الحالية –
تكريساً لحالة التبعية والتقليد، التي يعيش فيها الإعلام العربي المعاصر. ولا
ينبغي أن تقتصر مهمة هذه الجهات الأكاديمية على الإعداد الأكاديمي والمهني الصرف؛
بل لابد لها من أن تعنى بالإعداد الفكري والأخلاقي المتميز للكوادر التي تخرّجها.
(د)
وعلى المستوى المهني الواقعي، لابد من أن يستشعر العاملون في الميادين الإعلامية
المختلفة –
سواء في القطاع الحكومي أوالقطاع الأهلي –
مسؤوليتهم العظيمة التي يضطلعون بها. ولابد من العناية بحسن اختيار المسؤولين والعاملين
في المؤسسات الإعلامية التوجيهية، وتنقيةِ الساحة الإعلامية من الدخلاء عليها، كما
أن توفير فرص التأهيل والتدريب للعاملين في القطاع الإعلامي يعد مطلباً أساسيًّا
في سبيل تكوين وتهيئة كوادر إعلامية ذات قدرة وكفاءة وتميز.
التعاون العربي
لتحقيق أهداف التحرر الإعلامي
ولاينبغي
أن تنحصر مهمة تحرير الإعلام العربي من ربقة التقليد والتبعية في النطاق المحلي
لكل بلد عربي؛ بل لابد من أن يتكامل هذا الجانب المحلي مع الجانب العربي على
المستوى القومي، فنحن أمة واحدة ذات رسالة متطابقة وهموم مشتركة وآمال متوافقة. ولاشك
أن التعاون الإعلامي فيما بين دولنا العربية يُعَدُّ جزءًا من سعينا الحثيث نحو
الوحدة والتكامل في شتى المجالات والميادين؛ بل إن الوحدة العربية والتكامل العربي
خطوة ممهدة للوحدة الإسلامية والتكامل بين دول العالم الإسلامي وشعوبه، حتى يصدق
فيها قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون﴾ (المؤمنون:52).
وليس التعاون الإعلامي العربي الذي ندعو إليه
ببدع في واقع العالم المعاصر. إن كثيراً من الأمم والدول اليوم تسعى إلى إيجاد صيغ
قومية وإقليمية للتعاون فيما بينها في مجالات متعدد. ولو اقتصرنا على المجال
الإعلامي لما أعوزتنا الأمثلة والشواهد الحية التي تؤكد لنا هذه الحقيقة، فدول
الكتلة الغربية تتعاون فيما بينها عبر العديد من المؤسسات الإعلامية المشتركة،
ودول الكتلة الشرقية تتعاون فيما بينها أيضاً عبر بعض الهيئات المشتركة.
ولسنا
هنا في مقام إنكار وجود عدد من المؤسسات والهيئات العربية المشتركة التي تسهم في
توفير مجالات متنوعة للتعاون الإعلامي بين الدول العربية؛ ولكننا نحس أن ما تحقق
من خلال هذه المؤسسات ما يزال ضئيلاً، ولا يرتقي إلى مستوى طموحات المخلصين من
أبناء هذه الأمة في مختلف أقطار العالم العربي.
ولاشك
أن هذه المؤسسات العربية مثل اتحاد إذاعات الدول العربية، واتحاد وكالات الأنباء
العربية، وأجهزة التعاون الإعلامي الخليجي المتعددة، تستطيع أن تقدم الكثير مما
يحتاج إليه الإعلام العربي لتطويره وتنميته والارتقاء بمستواه، كما أن المؤسسات
العلمية والجامعات العربية التي تحتضن أقساماً للإعلام ينتظر منها الكثير مما لم
تستطع تحقيقه حتى الآن.
وسوف
نؤكّد باستمرار على أهمية أن تحظى قضية تحرير الإعلام العربي المعاصر من ربقة
التبعية والتقليد بمختلف صورها باهتمام المسؤولين والعاملين في الميادين الإعلامية
المتنوعة، وأن تلقى من العناية ما تستحقه في ضوء تزايد خطورة وسائل الإعلام في
المجتمعات العربية، وتعاظم قدرتها على التأثير على الأفراد والجماعات، سلباً كان
هذا التأثير أو إيجاباً.
كما
أن التحديات التي تواجه الأمة العربية المسلمة في الوقت الراهن سواء على المستوى
السياسي، أو المستوى الفكري، أو المستوى الاقتصادي تفرض علينا أن نعمل على تسخير
كافة إمكاناتنا ووسائلنا لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، وخصوصاً ونحن ندرك أن
أعداءنا قد استغلوا وسائلهم وإمكاناتهم الإعلامية لخدمة أغراضهم، وركبوا مطية
الإعلام لكيون سلاحاً فعالاً من أسلحتهم لحربنا في عقيدتنا، وفكرنا، وانتمائنا،
وفي جودنا، ومعركتنا في البناء والتنمية. إن الإعلام اليوم أمضى الأسلحة في الصراع
الحضاري الذي تدور رحاه في دنيا اليوم، وأن الأمة التي لاتمتلك إعلاماً قوياً
فعالاً ينبع من شخصيتها الحضارية ويلبي احتياجاتها ويسهم في معركتها، هي أمة خاسرة
في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1433 هـ = ديسمبر 2011م ،
يناير 2012م ، العدد : 1-2 ، السنة : 36